عز الدين الهواري يكتب: كيب تاون واليمن على جبهة الشرف.. والعرب على موائد الذل والعار 

عز الدين الهواري يكتب: كيب تاون واليمن على جبهة الشرف.. والعرب على موائد الذل والعار 

في زمنٍ صار فيه العار بطولةً، والذل سياسة، والركوع حكمة، استقبل طغاة العرب مجرم الحرب، تاجر الدم، وصانع الخراب – دونالد ترامب.

استقبال الفاتحين.. جاء الشيطان الأمريكي إلى الخليج العربي، يحمل على كتفيه دماء غزة، وأشلاء أطفالها، وسواد قلوب أمهاتها الثكالى، فلم يجد في وجهه إلا الابتسامات، وفي جيبه إلا الأموال.


وقف ترامب، المتورط في دعم الإبادة، والمشارك الأصيل في تدمير غزة، يسخر من ضحايانا، ويبتز جلادينا، ويمضي في خطابه كما لو كان مبعوثاً من الرب، لا من “وول ستريت”. لم يفاوضه أحد على وقف النار، ولا على كف الدعم عن آلة القتل الصهيونية. بل كانت المفاوضات تدور حول “الفرص”، و”الاستثمارات”، و”الشراكات”، وكأن غزة ليست سوى نقطة حبر سقطت على أوراق المال.

العار.. حين يصبح القاتل شريكاً

لقد بلغت السخرية ذروتها حين أفرجت المقاومة عن رهينة بلا مقابل، بعد عملية خداع قذرة شارك فيها الموساد وترامب معاً، ليُقدّم الأمر للعالم وكأنه إنجازٌ إنسانيّ، لا خديعة استخبارية. لم يكن ذلك سوى مرآة تُظهر كم يحتقر هؤلاء القتلة العرب والمسلمين، حين يتحولون إلى كومبارس في مسرحية أمريكية، لا دور لهم فيها سوى التصفيق والدفع.

ما الذي كان سيحدث لو زار ترامب أوروبا؟

لو أن ترامب زار برلين، أو باريس، بعد مشاركته في إبادة شعبٍ أوروبي، هل كان سيُفرش له السجاد الأحمر؟ هل كانت مليارات الشعوب تُنهب على يديه تحت مسمى “الاستثمار”؟ كلا، كان سيُستقبل على الأرجح بالمحاكمات، أو بالاحتجاجات، أو حتى بالملاحقات القانونية.

لكن عندنا، يستقبله طغاة العرب الذين لا يملكون من القرار شيئاً، ولا من الكرامة فتاتاً، كأنه النبي المُنتظر. 72 ساعة، كانت كفيلة بأن تُضخ فيها مليارات تكفي لإعمار غزة، وإنهاء الحرب، وسدّ جوع العالم الإسلامي، لكنها ذهبت لإشباع شهوات نخبة أمريكية متعفنة.


أين كانت المفاوضات؟

لم نسمع عن شروط مقابل تلك الأموال، ولا عن مساومات لوقف نزيف الدم. لم نسمع أن أحدهم طلب منه التوسط لوقف الحرب، أو حتى الضغط على نتنياهو. وكأن غزة لا تخصّهم، وكأن دماء أبنائها لا تهمهم. لقد أحبوا ترامب حباً بلا مقابل، كعبيدٍ يُهدون الذهب لجلادهم دون أن يطلب.

غزة.. الكرامة التي لا تُشترى

فيما تتساقط البيوت على رؤوس ساكنيها في غزة، وتُدفن الأجساد بلا أكفان، كانت قصور الخليج تفتح أبوابها للطغيان. وبينما يُحاصر الغزيون حتى في لقمة الخبز وجرعة الدواء، كان العدو يُغدق عليه من أموالنا ما يكفي لإعادة تدميرها مرة أخرى.

وكيف تُقاس النخوة، وكيف يُعرف الشرف، إن لم يكن في أن يُذلّ المستكبر، ويُوقف المعتدي؟ إن ما فعلته اليمن، بل ما فعلته صنعاء وحدها، يكشف عارًا لا يغسله ماء الخليج كله، ويكشف رجولة تفضح كل هذا الركوع الذي انتشر في العواصم العربية. جزء من اليمن، بلد محاصر، جائع، منكوب، يهين القوة الخارقة التي تتباهى بها أمريكا، ويجبرها على وقف القصف، لا باتفاق مذل، ولا براية استسلام، كما فعل غيره، بل بقرار مستقل، للتفرغ لضرب كيانها المدلل وشريكها في الجريمة – الكيان الصهيوني. لم تُساوم اليمن، ولم تنتظر ترخيصًا من الأمم، بل فرضت اتفاقًا منفردًا على أمريكا وحدها، دون أن تقحم فيه “إسرائيل” التي صارت في مرمى أهدافها، وهذا وحده كافٍ ليعيد تعريف الرجولة العربية من جديد.

وفي اللحظة نفسها التي يصمت فيها العرب صمت العار، ويغدقون الأموال على قاتل أطفال غزة، كانت خمس دول أوروبية تنذر “إسرائيل” بأنها لن تظل صامتة، وتصدر بيانًا يُدين، في ذات الوقت الذي يُستقبل فيه الطاغية الأمريكي في عواصمنا استقبال الفاتحين. كم هو فادح هذا التناقض: الأوروبي يحتج، والعربي ينحني. مشهد يكشف أين تُصنع المواقف، وأين تُدفن الكرامة.


هل نعرف ما لنا؟

إننا لا نعاني من نقص في الموارد، بل من نقص في الرجولة. لا نفتقر إلى الأسلحة، بل إلى الإرادة. لا ينقصنا المال، بل الكرامة. لقد آن الأوان أن نتوقف عن تسمية الطغاة قادة، وعن اعتبار اللصوص رجال أعمال، وعن قبول أن يُذبح أطفالنا بينما تُقام الولائم في قصور القتلة.

يا لنا من بلاد… يا لنا من شعوب… لو كنا نعرف ما لنا.

. .e46y